أوراق تنطق بلسان التاريخ

صحيفة الدستور – ٧/٢١/ ٢٠٠٨
بقلم هشام عودة

عند الحديث عن الاصطفافات الحزبية ، يتم تصنيف ابي درويش بانه شيوعي ، الا ان الرجل يؤكد عدم انضمامه رسميا لاي حزب سياسي ، طوال حياته الممتدة على مساحة تسعة عقود ، وان ظل قريبا من الشيوعيين في فترات عملهم السري والعلني. مسلم بسيسو ، ابن العائلة الغزية المعروفة ، ولد في مدينة بيسان عام 1926 ، وتخرج من كلية صهيون في القدس ، ليبدأ عمله صحفيا في تلك السنوات التي شهدت اشتداد الهجمة الصهيونية على فلسطين ، ونشرت رسائله الصحفية كبريات الصحف العربية ووكالات الانباء في تلك المرحلة. تشير اوراق الصحفي العتيق مسلم بسيسو ، ابن النكبة كما يصر على وصف نفسه ، انه اول صحفي اذاع نبأ اغتيال الكونت برنادوت على يد العصابات الصهوينية في القدس عام 1949 ، واول صحفي شاهد عملية اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي ، وشاهد جثمانه مسجى في مبنى وزارة الداخلية ، واذاع الخبر حين كان مراسلا لوكالة الانباء العربية. بعد احتلال فلسطين انتقل ابو درويش الى عمان ، ومنها اصدر صحيفة الحوادث وصار رئيسا لتحريرها ، وقد اختاره زملاؤه امينا لسر اول مجلس لنقابة الصحفيين الاردنيين في اذار 1953 ، وكان ناشطا في الحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدته البلاد في تلك السنوات وتعرف عن قرب على قادة الرأي العام ومجموعة الضباط الاحرار ، لذلك كان طبيعيا ان يدفع ابو درويش حريته وغربته ثمنا لمواقفه التي ضاقت بها سنوات الاحكام العرفية. صدر حكم ضده بالسجن والغاء الجنسية بعد الانقلاب على حكومة سليمان النابلسي ، الا ان مسلم بسيسو نجح في الافلات ، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته في دمشق ، مشاركا فاعلا في صحافتها ، حيث اسندت له مهمة مدير تحرير لاكثر من جريدة يومية ، كما عمل محررا للقسم الانجليزي في اذاعة دمشق ، وقد شهد في تلك الفترة انبثاق الوحدة بين مصر وسوريا ، كما كان شاهدا على جريمة الانفصال ، وتعرف عن قرب الى قادة الحكم في سوريا ، ومن ابرزهم اكرم الحوراني وخالد العظم وعفيف البزري. بعد ان ضاقت على ابي درويش نوافذ الحياة والحرية في ميدان الصحافة ، قرر خوض غمار العمل التجاري ، وصار له مكتبه في دمشق الذي ادار من خلاله مشاريعه الصغيرة ، وعاد الى عمان عام 1968 ليصبح مديرا عاما لشركة الورق والكرتون الاردنية المساهمة المحدودة ، ويستمر في منصبه حتى عام 1979 ، حيث اختاره زملاؤه امينا عاما للاتحاد العربي للصناعات الورقية والطباعة ، بعد ان شغل لعدة سنوات منصب نائب الرئيس ، وصار عليه ان يشد رحاله باتجاه بغداد حيث مقر الاتحاد ، بعد انتقاله من القاهرة اثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد. في بغداد ، كان ابو درويش شاهدا على مجموعة من المتغيرات السياسية المهمة ، منها مفاوضات الوحدة السورية العراقية ، وانتقال السلطة للرئيس صدام حسين ، والاستحقاقات السياسية التي رافقت الاطاحة بنظام شاه ايران ، واندلاع شرارة الحرب العراقية والايرانية ، وفي المرحلة البغدادية من سيرة الرجل ، حدثت تغييرات مهمة على صعيد حياته الشخصية ، فقد توفيت زوجته عريفة النجار ام درويش بمرض السرطان ، ليذهب بعد ذلك للاقتران بسيدة عراقية هي ليلى الشمري التي توفيت هي الاخرى بعد ربع قرن تقريبا من اقترانهما ، بالمرض نفسه الذي اصاب زوجته الاولى ، ليكمل ابو درويش مشوار حياته وحيدا. بعد عودته ثانية الى عمان ، افتتح مسلم بسيسو مكتبا يمارس من خلاله اعماله التجارية ، كما ذهب الى افتتاح غاليري حمورابي للفنون التشكيلية ادارته زوجته الراحلة وعرضت فيه بعض اعمالها الفنية واعمال غيرها من الفنانين العراقيين ، وتنتصب لوحاتها على جدران منزل ابي درويش ومكتبه. خزائن الرجل مليئة بالاوراق التي يتم تصنيفها بالوثائق ، وهو لا يبخل بتقديم هذه المدخرات لمن يطلبها ، حتى صار مصطلح “من اوراق مسلم بسيسو” كافيا لتأكيد مصداقية الوثيقة واهميتها ، وقد نشرت العديد من الصحف والدراسات بعض اوراقه للتأكيد على قضية ، او التأشير على حادثة ، وقد اوشك ابو درويش على الانتهاء من كتابة مذكراته المتوقع ان تصدر مطلع عام 2009 ، وهي اوراق مليئة بالاحداث والاسماء والوثائق التي عاشها الرجل او كان قريبا منها ، على مدى العقود السبعة الماضية ، التي تتحدث عن مرحلة عربية شهدت نهوضا وانتكاسات عديدة ، وينظر اليه رفاقه واصدقاؤه وتلامذته كونه مرجعية صحفية وسياسية واخلاقية.

الصحفيون الذين عمل معهم ابو درويش من الرعيل الاول ، تسبق اسماءهم اليوم كلمة المرحوم باستثناء رجا العيسى ، وهي حالة تدفعه للمقارنة ، بين ما كان بالامس وما هو كائن اليوم ، ليظل منحازا لماضيه الذي لم يكن خاليا من خصومات حامية. تحمل الكثير من المقالات والداراسات والابحاث توقيع مسلم بسيسو ، وتكريما لدوره في الدفاع عن الوعي والهوية والانتماء ، يتحلق حوله اصدقاؤه في مكتبه الذي يتحول الى صالون يشهد حوارات عميقة وهو عضو في رابطة الكتاب الاردنيين ومنتدى الفكر الاشتراكي.

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?