صحيفة الدستور – ٢٠١٧/١١/١٥
بقلم د. عايدة النجار
بتاريخ الـ 26 من أكتوبر 2017، توفيّ مسلم بسيسو ابن غزة في عمان، وهو أحد رواد الصحافة الأردنية الذي تمرس فيها بعد أعمال ومغامرات صحافية مبكرة في فلسطين قبل النكبة، رحل أبو درويش بعد مشوار طويل أحب فيها الصحافة، وتعلق بالحبر والقلم منذ شبابه المبكر، بعد ان تخرج من الكلية الانجليزية في القدس، كتب في الصحف الفلسطينية، وعمل مراسلاً صحافياً، و مراسلاً حربياُ لصحيفة ( النسر) الصادرة في عمان. بالإضافة إلى أنه عمل مراسلاً لجريدة الأهرام القاهرية ووكالة الأسوشيتيد برس، وكان أول من أذاع نبأ اغتيال الكونت برنادوت، وسيط الأمم المتحدة في فلسطين. كما سجل سبقاً صحفياً آخراً عندما اغتيل محمود فهمي النقراشي في القاهرة، وكان يعمل في وكالة الانباء العربية في القاهرة. ومن أكثر ما كان يعتز به من العمل الصحفي إصداره جريدتة (الحوادث ) في عمان بعد النكبة التي عبر فيها عن افكاره السياسية والاجتماعية والثقافية، كما استطاع أن يجعل منها، مكاناً يلتقي فيه للدفاع عن المهمشين والفقراء،والتعبير عن الرأي العام والدفاع عن الحقوق الانسانية في الصحة والتعليم والغذاء، كما تدل مضامين الجريدة وافتتاحياتها النقدية اليسارية المعارضة بين 1951 – 1954.
صدرت (جريدة الحوادث ) الأسبوعية، في عمان يوم الإثنين الموافق الـ 8 من تشرين الأول 1951،” وهي جريدة سياسية اجتماعية مصورة، لصاحبها مسلم وجيه بسيسو”. وجاء في العدد الأول حكمة العدد ما قاله عنترة العبسى،: “خسة بالذل لا نرضى بها، وجهنم بالعز افضل منزل “. كما جاء في افتتاحية العدد الأول، كلمة رئيس التحرير موجهة للقارئ، جاء فيها وبكل تواضع ودفء :” الحوادث ايها القارئ الكريم صحيفتك، وأنت من أصحابها علك توجهها الوجهة الصحيحة إن شعرت فيها تلكؤا ولك أن تساهم في تحريرها إن أردت الكتابة بها…نسألك رأيك الصائب والتشجيع والمؤازرة “. فالصحيفة الجديدة التي تبحث عن متلق توجه اليه رسالتها الملتزمة بتوعية الناس والدفاع عنهم كما أثبتت بعد صدورها، كانت حريصة على مشاركة القراء ودراسة مشاكلهم ومصالحهم الوطنية والمعيشية. ولعل هذا الهدف ما جعلها مقروءة ينتظرها قراؤها كل يوم اثنين.كانت تنتقد بجرأة ما يمس حياة الناس وحقوقم، كما تدل مواد صفحاتها وأبوابها التي كتب فيها الطلبة، والعمال والموظفون، والمثقفون والمعلمون. وكانت عرضة للاغلاق لجرأتها ومواقفها الوطنية والتزامها بالقضية الفلسطينية واللاجئين الذين ينتظرون العودة وهم يقاسون من الغربة في المخيمات.
ولعل ما جاء في المانشيت العريض على الصفحة الأولى من العدد الأول للحوادث من أخبار، ما يشير أيضاً الى أهمية الصحافة بعد النكبة وقبلها في وقت كانت إسرائيل مسعورة كاليوم مستمرة في الاستيلاء على فلسطين، بعد أن خسر العرب الحرب،ويحاولون التصدي للصهيونية علّهم يسترجعون فلسطين في” الجولة الثانية”، وجاء العنوان، كالآتي من مراسل الحوادث ( كمال عبد المنعم ): “استعدادات يهودية كبيرة على حدود المنطقة المصرية للجولة الثانية. وجاء في الخبر، “ كشف النقاب عن مدى سيطرة اليهود على أمريكا وارغامها على الوقوف لجانبهم.. “.
مثل هذه الاخبار التي ما زالت مستمرة بعد حوالي سبعين عام، و أمريكا تواصل دعمها الماديّ والمعنوي لتشير ىأيضاً الى وعي الجريدة في التحليل وسبر الاغوار والالتزام بالقضية الفلسطينية التي كانت على اجندتها طوال وجودها حتى 1954 قبل أن تتوقف عن الصدور. نجحت الجريدة الأسبوعية الناقدة والجادة في أن تكون مرآة المجتمع ووثيقة سجلت مرحلة هامة من التاريخ الاجتماعي السياسي الأردني والفلسطيني بالاضافة الى القضايا العربية والعالمية.. رغم أنها لم تعش أكثر من أربع سنوات فقد تفاعلت مع الناس في وقت كانت المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في حالة من عدم الاستقرار نتيجة النكبة وتداعيتها، والأردن يسير في مرحلة التبلور والتطور. أرى أهمية الصحف للدارسين الجادين الذين يبحثون عن وثائق صادقة الرجوع الى الجرائد لتحليل مضامينها، وقراءة التاريخ من صفحاتها، فهي وثائق قيّمة وهامة في البحث الموضوعي ومنها (الحوادث ) بأعدادها الكاملة المتوفرة. رحم الله مسلم بسيسو الذي كان حاضراَ في مواقفه النضالية محباَ ووفياً لاصدقائه..